يعد منع فيلم الملحد قبل صدوره خبرا مؤلما، ليس فقط لكاتب القصة العبقري إبراهيم عيسى أو للمشاركين في العمل الفني بداية من المخرج إلى الممثلين، ولكن أيضا للتنويريين والكتاب والمبدعين.
منذ صدور برومو الفيلم كان هناك جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وسريعا ما أقام 8 من المحاميين المصريين دعاوى قضائية تطالب بإيقاف عرض “الملحد”.
ومن المعلوم أنه في مصر عادة ما يستغل المحاميين التدين والدين للتسويق لأعمالهم، وأفضل طريقة هي رفع قضية ضد فيلم معين أو بلوجر أو مشهور.
هكذا يصنع المحامي اسمه وشهرته في بلد غارق في الخطاب الديني، وتدرك الحكومة فيه هذا جيدا، لهذا تخضع لجعجعة القطيع وتحقق لهم ما يريدونه.
في دولة بوليسية مستبدة، يجب منع الإبداع والخطاب والحرية خصوصا عندما تهدد الأمن القومي، ويبدو أن عرض فيلم الملحد سيزيد من الغضب الشعبي.
وأساس الغضب الشعبي ليس انتشار الإلحاد ولا التحرر الفكري والجنسي، لكنها الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها مصر التي أنفقت المليارات من الدولارات في مشاريع بنية تحتية تحتاج إلى عقود كي تعود بالفائدة.
كما أن الأزمة المالية والإقتصادية في البلاد ناتجة عن التهاون في تطبيق إصلاحات صندوق النقد الدولي، ولو تم التعويم الكلي والحقيقي لما خرجت الأموال الساخنة وستكون العملة المصرية مستقرة وسيحصل على الدعم الحكومي فقط من يستحقه عوض أن يستفيد منه الأغنياء أيضا.
إقرأ أيضا:ارهاب الخلافة الإسلامية والإمبراطورية الصفوية وإسرائيل الكبرىهذا مربط الفرس وهذا أساس مشكلة مصر، ومنع فيلم الملحد أو التساهل مع الهجوم على مركز تكوين لن ينقدا النظام المصري الذي يخشى لجوء الشعب إلى الشارع.
إلى جانب ما سبق، من السخرية أن نرى تحرر السعودية من الوهابية والخطاب الديني المتشدد، وانشغالها بالتقدم والعصرنة، في المقابل يتحول هذا الدور السيء إلى مصر.
هذا يعني أن مصر لا تعيش أزمة اقتصادية ومالية فحسب بل أزمة دين أيضا، حيث نجد الناس هناك غارقون في الخطاب الديني المتشدد وهذا ثمن تحالف السيسي مع السلفيين وتساهله مع الأزهر.
أصبحت المؤسسة الدينية في مصر اليوم دولة بداخل دولة، وأصبح هذا البلد يصدر لنا الخطاب الديني المتشدد وأيضا الخرافات ونظريات المؤامرة أيضا.
إذا كان سيؤدي فيلم الملحد الذي يحكي قصة إلحاد ابن أحد رجال الدين في مصر، إلى ترك الملايين من المصريين للإسلام، فهذا دين هش وخرافة قضى عليها فيلم.
لو جاء هذا الفيلم في الواقع باسم غير الملحد، لما ثار حوله كل هذا الجدل ولتم تمريره، الهجوم السلفي الإخواني القوي سببه هو اسمه وليس بسبب مضمونه.
وتعد الرقابة عموما فكرة سيئة في عالم الإبداع والسينما، إذ تعطي الحق للحكومة لتتصرف مع الشعب كطفل وتحدد له ما يجب ان يشاهده وما لا ينبغي مشاهدته.
إقرأ أيضا:من الأفضل الإحتفال باتفاقية كامب ديفيد والسلام وليس بحرب أكتوبروفي النهاية فيلم الملحد مثل معظم أفلام السينما لن يعرض سوى في القاعات ويمكن أن يتم اضافته إلى منصات البث حسب الطلب ولن يشاهده إلا من يريد ذلك.
إن منع فيلم الملحد يؤكد لنا أن مصر دولة استبدادية بوليسية مستعدة لإرضاء القطيع والقيام بأي حماقة، المهم أن لا يثور الشعب وتحدث الفوضى.
إقرأ أيضا:مايو شهر الإستمناء العالمي: أبرز احصائيات العادة السريةويعرف الإسلاميون والأزهر في مصر نقطة الضعف هذه الواضحة لدى النظام المصري، لذا يستغلونها على نحو يسمح لهم بنشر التشدد تحث رعاية الحكومة.
وقد نجحوا في استغلال هذا الضعف في ظل الغضب الشعبي الذي يحتاج إلى سبب فقط كي ينفجر في وجه الرئيس السيسي، كما أن التشدد هو نتاج عقود طويلة من استخدام الدين كوسيلة لتثبيت نظام الحكم.
ولطالما اتهم الإسلاميون الحكومة بأنها تحارب الإسلام وتضطهد الملتزمين دينيا، وتريد الحكومة في هذا الوقت الحساس اثبات العكس كي يدافع عنها هؤلاء عند حدوث أي ثورة جديدة.
إقرأ أيضا:
حبس شريف جابر لن يوقف قطار الإلحاد واللادينية
الإلحاد ممنوع في الماسونية والملحد غير مرحب به
خرافة الإلحاد من أجل الشهوات التي يرددها رجال الدين
ما لا يخبرونك به في درس الإلحاد بين الوهم والحقيقة
ما الفرق بين العدمية والإلحاد؟