في إطار الديناميكيات السياسية في الشرق الأوسط، برز نمط مفاجئ مؤخرًا: التحول التدريجي من جانب العديد من الدول العربية نحو إسرائيل، التي كانت تعتبر في السابق عدوًا قويًا، ويأتي هذا التغيير لأسباب سياسية واقتصادية واستراتيجية.
إن فهم الخلفية التاريخية بعمق أمر ضروري لفهم هذا التغيير المهم، فقد أشعل الصراع العربي الإسرائيلي، الذي نشأ مع تأسيس إسرائيل في عام 1948 العديد من الحروب، مما أدى إلى خلق عداء دائم.
تقليديًا، اتبعت الدول العربية المبادئ الثلاثة لقرار الخرطوم لعام 1967: لا سلام، ولا اعتراف، ولا محادثات مع إسرائيل، ومع ذلك فإن مشهد العلاقات العربية الإسرائيلية كان بعيدًا كل البعد عن ذلك.
بدأ التغيير الرئيسي في المعارضة العربية لإسرائيل باتفاقية السلام المصرية في عام 1979، تلتها الأردن في عام 1994.
وقد شكلت هذه الصفقات، التي تم إبرامها بمساعدة أمريكية كبيرة، التحدي، مما يشير إلى أن الاعتراف بإسرائيل يمكن أن يجلب فوائد كبيرة.
بالنسبة لمصر، كان استعادة شبه جزيرة سيناء إلى جانب الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي أمرًا مهمًا، من ناحية أخرى، أمّن الأردن حدوده وبدأ علاقات اقتصادية مع إسرائيل، مما زاد من استقراره ونفوذه في المنطقة.
تتميز اللحظة المهمة في العلاقات العربية الإسرائيلية الأخيرة باتفاقيات إبراهيم لعام 2020، التي تم ترتيبها تحت إشراف الولايات المتحدة.
إقرأ أيضا:علاج سرعة القذف باستخدام العادة السرية (الإستمناء للرجال)رحبت هذه الاتفاقية بالإمارات العربية المتحدة والبحرين في علاقات رسمية مع إسرائيل، وانضمت السودان والمغرب لاحقا إليها.
تمثل هذه الاتفاقيات تحولًا كبيرًا في المواقف الإقليمية تجاه إسرائيل، مدفوعة بالمصالح المشتركة في التكنولوجيا والتجارة والأمن.
دفع تهديد التوسع الإيراني والطموحات النووية، التي تعتبرها دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تهديدات خطيرة، العديد من الدول العربية نحو إسرائيل، التي تتمتع بقدرات عسكرية واستخباراتية قوية، يدعم هذا التحول الاستراتيجي القول: “عدو عدوي صديقي”.
كما تشارك الدول العربية في شراكات دفاعية مع إسرائيل أثناء الصراعات مع إيران، وتتبادل المعلومات الاستخباراتية والموارد الاستراتيجية، على الرغم من أن هذه الإجراءات نادراً ما تصبح علنية، أصبحت هذه الإجراءات مفتاحًا لخطط الأمن الإقليمية.
تلعب الفوائد الاقتصادية أيضًا دورًا كبيرًا في جهود التطبيع هذه، تعد قيادة إسرائيل في التكنولوجيا والابتكار بمكاسب اقتصادية كبيرة للدول العربية التي تهدف إلى التنوع الاقتصادي، وخاصة في الطاقة المتجددة والزراعة والرعاية الصحية، كما يشجع احتمال زيادة التجارة والاستثمارات والسياحة مبادرات السلام.
على سبيل المثال، بعد اتفاقيات إبراهيم، زادت التجارة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير، مع زيادة الرحلات الجوية المباشرة والمشاريع التجارية، تشجع مثل هذه الفوائد الاقتصادية الدول العربية الأخرى على إعادة النظر في وجهات نظرها تجاه إسرائيل.
تواصل الولايات المتحدة الاضطلاع بدور حيوي في جهود التطبيع هذه، بالنسبة للقادة العرب، فإن تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة أمر مهم، ويظل التوافق مع السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك جوانبها التي تركز على إسرائيل، أولوية.
إقرأ أيضا:ما هو دور الشيعي محمد علي الحسيني في الحرب الإيرانية السعودية؟لا تتوسط الولايات المتحدة في اتفاقيات السلام هذه فحسب، بل تقدم أيضًا صفقات الأسلحة والمساعدات الاقتصادية والدعم الدبلوماسي كجزء من الحزمة.
وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن التطبيع يواجه تحديات كبيرة، فالعديد من القادة العرب يتعاملون مع المعارضة الداخلية ضد التعامل مع إسرائيل.
وتظل القضية الفلسطينية موضوعا حساسا ومشحونا عاطفيا بين العرب، حيث يرى الكثيرون التطبيع خيانة.
إن الأحداث مثل صراع غزة يمكن أن تؤدي بسرعة إلى استقطاب الرأي العام، مما يضع ضغوطا محلية ضد التطبيع، وبالتالي يضطر القادة العرب إلى الموازنة بعناية بين الاستراتيجيات الدولية والتوقعات المحلية.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، يبدو أن مسار العلاقات العربية الإسرائيلية يتجه نحو التعاون الحذر والمتنامي، ومن المرجح أن تشجع المصالح الاقتصادية والأمنية المزيد من التطبيع، وإن كانت وتيرة ومدى هذا التغيير سوف تختلف من بلد إلى آخر وتستجيب للأحداث الإقليمية.
إقرأ أيضا:لماذا فكرة أعداء الله مهينة وتفضح بشرية الدين؟وتظل القضية الفلسطينية بالغة الأهمية، وهي عامل مهم لم يتم حله بعد، ولابد أن تأخذ أي جهود سلام وتطبيع دائمة في الاعتبار الآمال الفلسطينية بطريقة ينظر إليها المجتمع الدولي والجمهور العربي على أنها عادلة وقابلة للتنفيذ.
ومع ذلك، فإن الطريق إلى الأمام مليء بالتحديات السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي ستشكل بلا شك مستقبل هذا التحالف المتغير.
إقرأ أيضا:
حسن نصر الله حي يرزق وهو يقرئك السلام
التطبيع خيانة شعار فارغ في زمن التسوية الشاملة
تحرير سيناء هو بفضل كامب ديفيد وليس بسبب حرب أكتوبر 1973
لماذا الإعلام العربي مضلل وعاطفي في حرب غزة؟
هل يحقق الرد على ضرب إيران لإسرائيل حلم العرب الأقحاح؟
6 تداعيات ناتجة عن اغتيال حسن نصر الله
بنيامين نتنياهو: لاعب الشطرنج الذي دمر الأغبياء المتهورين