كان طوفان نوح عظيما لدرجة أن رجال الدين من الديانات الإبراهيمية الثلاثة يجمعون على عالمية هذا الحدث، حيث عم الطوفان العالم وهذا ما يفسر حمل زوجين من كل كائن حي في السفينة.
اليوم يشكك العقلاء في هذه القصة الدينية من زوايا مختلفة، خصوصا فيما يخص السفينة المزعومة التي لم يتم ايجادها، حجمها الحقيقي وتكوينها والتكنولوجيا التي كان يملكها النبي نوح.
وبينما يستمر هذا النقاش الذي وضع السردية الدينية في مأزق، يبدو الطوفان برمته عبثيا بالنظر إلى نتائجه على البشرية في حال صدقنا أنه حدث.
هل حدث طوفان نوح؟
يجادل العديد من الجيولوجيين والعلماء ضد فكرة الفيضان العالمي، وهذه مشكلة قابلت أتباع الديانات التي تؤمن بالنبي نوح.
ويذكر ديفيد مونتغمري، أستاذ الجيومورفولوجيا، أنه لا توجد مياه كافية على الأرض لتغطية أعلى الجبال كما هو موضح في الرواية التوراتية.
ويؤكد أن الأدلة الجيولوجية لا تدعم حدوث فيضان عالمي، مشيرًا إلى أنه إذا سقطت جميع مياه الغلاف الجوي على شكل أمطار، فلن يؤدي ذلك إلا إلى ارتفاع طفيف في مستوى سطح البحر.
حتى الآن هناك نظريات عديدة تضع بعين الإعتبار حدوث هذا الطوفان لكن كلها تنقصها الأدلة المادية التي يستند إليها المجتمع العلمي.
علميا يصنف النبي نوح وموسى وآدم وحواء ضمن الأساطير، إذ لا دليل مادي على وجودهم، وكذلك عدد من الشخصيات الدينية الأخرى، وقد تحدثنا سابقا عن أكذوبة العثور على سفينة نوح.
إقرأ أيضا:من الصلاة والدعاء لجلب المطر إلى الإستمطار الإصطناعيعبثية طوفان نوح
إذا افترضنا أن طوفان نوح كان حقيقيا وعم الأرض بالكامل، ما الهدف من هذا الحدث وما نتائجه المباشرة؟
تتفق الديانات على أن النبي عاش مدة طويلة وصلت إلى 1000 عاما تقريبا وهو يدعو إلى التوحيد لكن غالبية البشر كانوا يعبدون الأصنام ويشركون بالله.
ظل النبي نوح على حاله يدعو في الناس إلى الإيمان والتوحيد ونبذ الشرك إلى أن جاءه الأمر الإلهي، بأن يصنع سفينة يركب فيها معه المؤمنين ومعهم زوجين على الأقل من كل حيوان (7 أفراد من كل نوع في الكتاب المقدس).
وكما هو معلوم لمعظمنا انتهى نوح ومن معه من بناء السفينة الأسطورية وحمل معه كافة المؤمنين، وبدأ المطر الغزير قبل أن تنفجر المياه من الأرض وتختفي اليابسة والجبال أيضا.
سأغض الطرف أيضا على سؤال مهم يعد معضلة، وهي كيف تواصل نوحا مع كافة البشر على الأرض، وكيف جمع المؤمنين منهم إليه في المكان الذي يوجد فيه في ظل غياب المواصلات والإتصالات؟
وسأذهب إلى السؤال الأهم، ما الذي حدث بعد الطوفان الذي طهر الأرض من الشرك وأباد المشركين؟
الجواب هو أن المؤمنين انتشروا واستأنفوا التوالد، وجاء من نسلهم الكفار والمشركين، وهو ما تؤكده الديانات التي تتحدث عن قدوم لوط وإبراهيم ثم سلسلة من أنبياء إسرائيل.
إقرأ أيضا:كيف نشأ الدين؟ عودة إلى الشامانية التي صنعت الأديانبمعنى آخر رجعنا إلى ما قبل الطوفان وهذه المرة بشكل أسوأ حيث انتشر اغتصاب الغلمان والرجال على يد قوم لوط، وعاد الشرك بشكل أقوى.
ألا يؤكد هذا على أن من كتب هذه القصة الدينية قد أساء إلى الله وأظهره إلها عبثيا؟ إلها غاضبا أغرق الأرض وحقق انتصارا مؤقتا ثم عاد الشيطان ليحكم الأرض من جديد؟
ألم يكن من الأفضل لو قبض الله أرواح الكفار دون المؤمنين وبدون هذه الدراما؟ ثم لماذا يحارب شيئا هو الذي خلقه، هو الذي خلق الشيطان ومنحه صلاحيات عالية في الأرض ومنها القرين الشيطاني الذي يملكه كل شخص؟
يبدو الله في قصة نوح عبثيا لا يعرف ما الذي سيحدث؟ لأنه لو عرف أن نسل نوح سيأتي منه الكفار وسيسود أمرهم هل من المعقول أن يدمر الجيل الأول بالطوفان؟
مشكلة التوالد تظهر في طوفان نوح
غاية المؤمنين من جهة أخرى هو أن يأتي من نسلهم من يصلح الأرض وينشر فيها الخير والمحبة، لكنهم لا يتعلمون أبدا درسا في غاية الأهمية.
هذا الدرس الواضح وضوح الشمس من قصة آدم وحواء مع ابنهما قابيل وهابيل، هو أنه كافة أنماط التربية تفشل، ويأتي من نسل المؤمن الكفار والمشركين.
لطالما حذر آدم أبناءه من القتل والحسد والغيرة حسب القصص الدينية، ثم حصل ما كان يحذر منه عندما تقبل الله من هابيل قربانه ورفض قربان أخاه.
إقرأ أيضا:الشركة التي تمنح استراحة العادة السرية لموظفيها (الإستمناء في العمل)وواجه النبي نوح حسب القصص الدينية ذاتها مشكلة مماثلة مع ابنه الذي غرق في الطوفان والذي رفض الإيمان برسالة والده.
كل جيل من الآباء يدعي أنه يمكن أن يبني جيلا أفضل، إلا أن طبيعة الحياة هي التغيير والتمرد على ما هو قديم والتطور، ومختلف الآباء يريدون نسخا منهم وليس نسخا مختلفة.
كان من الممكن أن يوقف الله خاصية التوالد لدى قوم نوح والبشرية حينها وما أن يموت ذلك الجيل ستنقرض البشرية وينتهي الشر برمته.
ويبدو أن الله كان حزينا لأنه خلق الإنسان “فَقَالَ ٱلرَّبُّ: أَمْحُو عَنْ وَجْهِ ٱلْأَرْضِ ٱلْإِنْسَانَ ٱلَّذِي خَلَقْتُهُ، ٱلْإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ، لِأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ. وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ” (تكوين 6: 7-8).
هذا يدل على أن الإله الذي يفترض أنه خلق هذا الوجود لا يعرف ماذا يفعل والأمور خرجت عن سيطرته وقد جاء بطوفان عظيم قضى على المشركين ولما استأنف المؤمنين التوالد جاء من نسلهم قوم لوط وإبراهيم وأقوام أخرى تفشى فيهم الكفر!
بشرية الأديان الإبراهيمية
إن قصة طوفان نوح هي دليل على بشرية الأديان الإبراهيمية، مخترع هذه القصة تجاهل المنطق فيها، وأراد أن يبين للمؤمنين عظمة الخالق وإذ به يسيء إليه دون أن يشعر بذلك.
عوض أن نجادل الإله الإبراهيمي المزعوم ونطرح أسئلة لن نحصل على أجوبتها، من الواضح أن القصة برمتها هي جزء من ارث الخرافات البشرية.
إنها مثل قصص الاشباح والشخصيات الخارقة التي لا وجود لها على أرض الواقع، اخترعها البشر للتسلية ولكن هناك بعض الساذجين الذين يؤمنون بها.
طوفان نوح ليس هو الدليل الوحيد على بشرية الدين، لكن ستجد هذا واضحا عندما تقرأ عن المغالطات المنطقية وتجدها في كتبك الدينية، وعندما تستخدم عقلك بشكل جريء وتنظر إلى الدين من زوايا مختلفة.