علوم

حرب السودان أسوأ من حرب غزة لكن الهوى غلاب

تتصدر حرب غزة عناوين وسائل الإعلام العربية وحتى الغربية فيما تراجعت الحرب الروسية الأوكرانية إلى المركز الثاني، بينما حرب السودان تعاني من تهميش واضح.

هذا التهميش انتفض ضده السودانيين حول العالم واعتبروا التغطية الإعلامية غير عادلة لقضيتهم، خصوصا وأن عدد القتلى في حرب السودان تجاوز 150 ألف قتيلا.

لا تتجاوز المسافة بين السودان وقطاع غزة أكثر من 2097 كيلومتر إلا ان معظم الأنظار تركز على الرقعة الصغيرة الواقعة في الشرق الأوسط.

وبينما وصل عدد قتلى قطاع غزة إلى أكثر من 38 ألف قتيل تراجعت في الأسابيع الأخيرة معدلات القتل، لكنها على الجهة الأخرى في السودان تتسارع وترتفع بلا هوادة.

منذ أكثر من عام، والسودان محاصر في حرب أهلية دموية وقاسية، اجتاحت البلاد بأكملها، وهددت حياة الملايين والملايين من الناس، وعرّضت أمن المنطقة بأكملها للخطر.

وقد استحوذت الإبادة الجماعية في غزة بالطبع على قدر كبير من التغطية الإعلامية منذ بدايتها (وهذا بالطبع أمر جيد، فنحن بحاجة إلى الاستمرار في التحدث عن فلسطين)، ولكن من المهم أن نتذكر أن هناك الملايين من ويواجه الناس في جميع أنحاء العالم أيضًا الاضطهاد والموت يوميًا ويجب ألا ننساهم.

تجاهل السودان في الأخبار ووسائل الإعلام هو أمر مستفز، ويعزى ذلك إلى أن الكثير من المؤسسات الإعلامية والإخبارية تفضل إعطاء الأولوية لما هو تريند وعليه طلب من الجمهور.

إقرأ أيضا:منع فيلم الملحد: عندما توظف الدولة المستبدة دين القطيع

لكن هناك مؤسسات إعلامية مثل الجزيرة على سبيل المثال تعطي الأولوية لحرب غزة لأنها القضية الأكثر رواجا عربيا ويسهل من خلالها ممارسة الاستقطاب الشعبي.

ومن المعلوم أن هذه الشبكة الإخبارية قد ساهمت بقوة في انتشار الفكر الإخواني واليساري العربي الذي يخون القادة والحكام ويهيج الشعوب، وهي رائدة من قبل في دعم الثورات العربية التي دمرت دول المنطقة.

في 15 أبريل 2023، بعد أسابيع من التوتر، اندلعت حرب أهلية بين الجيش السوداني والقوات شبه العسكرية، قوات الدعم السريع، ومنذ ذلك الحين، هناك صراع على السلطة من أجل السيطرة على البلاد.

وتدور معظم المعارك في العاصمة الخرطوم، وخاصة في منطقة دارفور، حيث وردت أنباء عن وقوع كميات هائلة من أعمال العنف والاغتصاب.

إن الأحداث التي أدت إلى هذه الحرب الأهلية معقدة للغاية، ولكن حسب ما أفهمه، هناك حدثان رئيسيان وقعا مؤخراً وساهما بشكل كبير في ذلك.

بداية، الثورة السودانية عام 2018، والتي حدثت بسبب ارتفاع تكاليف الإمدادات الأساسية وقيادة الدكتاتور عمر البشير، الذي يحكم البلاد منذ عام 1989، وفي عام 2019، تمت الإطاحة بالبشير، وانتقلت البلاد إلى الحكم المدني بمجلس عسكري.

وفي عام 2022، في 25 أكتوبر، وقع انقلاب عسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وتم حل مجلس السيادة في البلاد، مما أدى إلى اعتقال العديد من المسؤولين الحكوميين، وبينما أصبح البرهان رئيسًا للدولة، عمل معه الرجل الثاني في القيادة، حميدتي، قائد قوات الدعم السريع.

إقرأ أيضا:خلاف الصهيونية واليهود حول الرئيس الأفضل في الإنتخابات الأمريكية 2024

خلال هذا الوقت، انضم حميدتي إلى العديد من الأحزاب المدنية، مثل قوى الحرية والتغيير، ليقدم نفسه كرجل دولة محترم. وتشكلت قوات الدعم السريع، التي يقودها حميدتي، في عام 2013، وتطورت من ميليشيات الجنجويد، التي لها تاريخ في العديد من جرائم الحرب في إقليم دارفور، وتم تحويل قوات الدعم السريع إلى قوة أمنية مستقلة في عام 2017، لتصبح أقوى قوة شبه عسكرية في المنطقة.

ومن المهم للغاية أيضًا اعتبار أن قوات الدعم السريع يتم تمويلها بشكل مباشر من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وأن الجيش السوداني مدعوم من المملكة العربية السعودية.

لقد حولت الحرب الأهلية السودانية نفسها إلى نوع من الحرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث استغل كلا البلدين الحرب لتعزيز نفوذهما في المنطقة، وهو ما أكدته مجلة “فورين بوليسي” في مقالة سابقة لها.

في بداية عام 2024، كان السودان في المرتبة الأولى على قائمة مراقبة لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) للبلدان المعرضة لخطر الأزمات الإنسانية، وفي الوقت الحالي، هناك حوالي 25 مليون شخص، بما في ذلك 14 مليون طفل، في حاجة مباشرة إلى المساعدة الإنسانية.

ومن حيث النزوح، فر حوالي 8.6 مليون شخص من منازلهم (6.5 مليون داخليًا و2 مليون في البلدان المجاورة)، وقد اجتاحت المجاعة البلاد، حيث يواجه 17.7 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، و4.9 مليون شخص على حافة المجاعة.

إقرأ أيضا:من اغتال إسماعيل هنية؟ إسرائيل أم ايران؟

وتهدد المجاعة حياة 2.5 مليون انسان في السودان ستقضي عليهم أزمة الجوع في ظل انشغال الإعلام العالمي بأزمات وتجاهل أخرى لا تقل أهمية.

في مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” أواخر الشهر الماضي، قال آلان بوسويل، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية: “ليس أمامك سوى مشاهدة مستوى التركيز المنصب على أزمات مثل غزة وأوكرانيا وتتساءل عما يمكن أن يسفر عنه 5 بالمائة فقط من التركيز الدولي على السودان، وكم كان من الممكن إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح”.

وانتقدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد الصمت والتغطية الإعلامية العالمية الضعيفة والتي تركز على مناطق دون أخرى من العالم.

ويبقى السؤال الذي يطرحه شعب السودان خصوصا والأفارقة عموما هو: هل دماء الأفارقة أرخص من نظرائهم الأسيويين والأوروبيين من ذوي البشرتين الصفراء والبيضاء؟

إقرأ أيضا:

حرب روسيا ضد مصالح مصر في السودان وليبيا

حرب روسيا ضد مصالح الصين في أفريقيا في السودان وأفريقيا الوسطى

حقيقة ما يحدث في السودان وتأثيره على مصر وأفريقيا والشرق الأوسط

سبب حرب السودان ومستقبلها والسيناريوهات الواردة

دور روسيا في حرب السودان وعلاقتها مع حميدتي

انقلاب السودان فرصة الحرب الأهلية ومجاعة شرق أفريقيا

السابق
الحج والعمرة والصلاة في زمن ميتافيرس الواقع الإفتراضي
التالي
لا داعي للخوف من ميتافيرس