عندما توفي الرئيس الراحل حافظ الأسد تولى ابنه الدكتور الحكم، أصبحت سوريا عمليا دولة ملكية يحكمها الملك بشار الأسد، لكنها بقيت على الورق جمهورية عربية بلا ديمقراطية حقيقية.
لقد كان الهدف من اسقاط الملكيات في العراق ومصر وسوريا وليبيا هو الإنتقال إلى جمهوريات ديمقراطية، لكن ما حصل هو سيطرة الجيش وبعض العائلات على الحكم في هذه الدول.
اليوم بعد حرب أهلية طاحنة في سوريا انتصر فيها النظام السوري بدمشق، تتجه الدول العربية وتركيا وحتى الإتحاد الأوروبي والغرب ممن سحبوا الإعتراف بحكمه إلى التعامل معه مجددا.
لقد عادت سوريا إلى الجامعة العربية، وعملت الإمارات العربية المتحدة على قيادة حراك عربي من أجل التطبيع مع نظام بشار الأسد.
ثم جاءت حرب غزة الطاحنة التي فاجأ فيها بشار الأسد المراقبين داخليا وخارجيا، حيث اعتمد سياسة النأي بالنفس وتخلى عن دعم حركة حماس الخائنة له في الحرب الأهلية.
ومع تطور الحرب الإسرائيلية ضد أعدائها تلقى حزب الله ضربات قاتلة وتم القضاء على صفوفه الأولى، وكذلك تعاني حماس من نهاية وشيكة، وفي المقابل توجه إسرائيل ضربات قوية للميليشيات الإيرانية في سوريا وذلك بموافقة روسية أيضا.
وتعاني ايران ومحورها الذي يسيطر على العراق واليمن وسوريا ولبنان وغزة من خسائر كبرى، فقد تمكنت إسرائيل من غزو القطاع الفلسطيني، ودمرت قيادة حزب الله في لبنان، وتوجه ضربات لأدوات ايران الأخرى.
إقرأ أيضا:الزواج شكل من أشكال العبودية بشهادة الإسلامفي هذا الوقت يبدو بشار الأسد منشغلا بالأمور الداخلية لدولته الهشة، والتي تعاني من تداعيات الحرب الأهلية الطاحنة، وهناك حوار سوري مع تركيا والولايات المتحدة وحتى اتصالات مع بعض دول الإتحاد الأوروبي.
وبينما ترى المعارضة السورية أن هذه هي فرصة إسرائيل للقضاء على بشار الأسد في دمشق، إلا أن تل أبيب لا تفكر بهذه الطريقة المتدهورة.
نظام بشار الأسد أفضل من نظام إسلامي اخواني في دمشق أو داعش السلفية أو جهات لا يعرف نواياها وقد تعمل على دعم ايران أكثر من بشار نفسه.
وهناك اليوم خلافات واضحة بين دمشق وطهران خصوصا حول صمت الأسد وإلتزامه بوعده لمحمد بن زايد وبوتين بتجنب الهجوم على إسرائيل أو المشاركة في هذه الحرب الطاحنة.
ويبدو أن ايران هي الخاسر الأكبر حيث ليس لدى روسيا مشكلة في طرد قواتها من الأراضي السورية بعد أن حققت الهدف وهو الدفاع على النظام السوري.
لا نستبعد أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد قد قدم معلومات استخباراتية حول مواقع إيران لإسرائيل عبر الإمارات وروسيا، وهذا كبادرة طيبة منه على أنه مستعد لتغيير مواقفه والإنسجام مع الشرق الأوسط الجديد.
بالنسبة لبشار الأسد ليس مشكلة بالنسبة له دحر حماس فهي حركة اخوانية، والإخوان المسلمون جزء كبير من المشكلة في بلاده وهي جماعة محظورة وهذا يتقاطع مع سياسات دول عربية عديدة مثل السعودية والإمارات ومصر التي حظرت هذه الحركة.
إقرأ أيضا:لماذا فكرة أعداء الله مهينة وتفضح بشرية الدين؟ومن جهة أخرى إذا اتضح للنظام السوري أن ايران قد حانت نهايتها وخسرت بأدواتها الحرب ضد إسرائيل، حينها سيميل أكثر إلى الإمارات والمحور العربي.
والجدير بالذكر أن دمشق لطالما أرادت السلام مع إسرائيل لكنها مثل معظم الدول العربية وضعت شرط حل الدولتين لتحقيق ذلك، بل أكثر كانت هناك جهود للتطبيع في عهد الراحل حافظ الأسد خصوصا في عهد الرئيس الأمريكي نيكسون.
الدولة العبرية هي الأخرى مستعدة للوصول إلى حل عادل حول الجولان والأراضي والمياه المتنازع عليها بين البلدين، لكن كل ما تريده هو أن تبتعد دمشق عن طهران والتخلي على حزب الله في لبنان.
حاليا في الوقت الراهن مهمة بشار الأسد واضحة وهي أن لا يتورط في الصراع الذي يدور في المنطقة تاركا حلفائه يواجهون إسرائيل وحدهم.
إذا انتصرت تل أبيب وهذا هو الأرجح وكانت هناك صفقة سياسية في المنطقة سيرغب بشار الأسد أن يكون جزءا منها، بحيث يعترف به المجتمع الدولي.
إقرأ أيضا:عودة دونالد ترامب هو انتصار لدولة إسرائيلبدون مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي لا يمكن انجاز إعادة الاعمار الضخم لهذا البلد، وكي يحصل هذا ينبغي أن يكون هناك تطبيعا للنظام مع الغرب.
ومن خلال اثبات أنه ملتزم بالوعد الذي قطعه لإسرائيل عبر وسطاء مثل الإمارات وروسيا، يقدم بشار الأسد أوراق اعتماده لدى المجتمع الدولي كقائد سياسي محنك وبراغماتي يعول عليه.
وإذا ذهبت الأمور إلى هناك وتخلصت سوريا من القوات الإيرانية وانسحبت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية من الشمال واستمرت روسيا في سحب قواتها، ستعود سوريا كاملة تحث سيادة النظام في دمشق.
ومن خلال التطبيع مع إسرائيل يحصل نظام بشار الأسد على الإستقرار ويشارك في بناء شرق أوسط جديد بلا حروب، وحينها لا مشكلة إذا غير نظام دولته من جمهورية إلى نظام ملكي وراثي.