الحقيقة الوحيدة التي نعرفها هي أننا سنموت، العلم والدين والأخلاق والقوانين والقيم كلها تتغير على مر التاريخ وهذا دليل على أنها اجتهادات بشرية.
في الماضي كان الرق أمرا شائعا، وتقبله البشر ومارسوه لقرون، قبل أن ينضج وعي الإنسان ويدرك أن الإستعباد والرق ليس أمرا أخلاقيا لتمنعه الأمم المتحدة، وهو اتجاه بدأه الفلاسفة التنويريون.
اليوم حتى المؤسسات الدينية التي كانت ترفض تجريم الرق بما فيها الكنيسة المسيحية والأزهر الإسلامي، والتي كانت تحارب التنويريين حول هذه المسألة، تراجعت عن دعم الإستعباد.
إن هذا المثال لدليل على أن الدين والأخلاق والقوانين والقيم اجتهادات بشرية، لأنها تتغير، ويتم تجديدها من وقت لآخر لتتوافق مع تفكير المجتمعات والبشر.
والدارس للأديان يمكن أن يلاحظ هذا بالفعل، كان الإله في الوعي الجمعي للبشر هي الظواهر الطبيعية مثل الأعاصير والعواصف والأمطار والصواعق وكذلك الشمس والقمر والنجوم والنار…
أقدم منحوتة للآلهة الأم والتي عثر عليها في شمال هضبة الجولان السورية، وتأريخها يعود للعصر الباليوليثي الأدنى أي حوالي 800000 ألف سنة، تؤكد أن الإنسان منذ القدم حاول تجسيد الإله، وصوره في صور نساء ورجال وظواهر وخوارق، وجسده في الأصنام والكتابات وما إلى ذلك.
مع تقدم الوعي بدأت البشرية تتحرر من الخرافات التي تشير إلى أن الشمس والقمر والظواهر الطبيعية هي الآلهة، خصوصا وأن هناك تقدم على مستوى الفلسفة والفلك واللاهوت.
إقرأ أيضا:خلاف الصهيونية واليهود حول الرئيس الأفضل في الإنتخابات الأمريكية 2024في الماضي كان الإنسان يعتقد بوجود آلهة متعددة، ومع تزايد الوعي، أصبح إله الموت هو ملاك الموت عزرائيل وبقية الآلهة ملائكة وكل ملاك له دوره، بل إن بعض أسماء هؤلاء الملائكة مقتبس من اسماء الآلهة في حضارات بلاد الرافدين ومصر.
وقد ظهرت الأديان الإبراهيمية التي جاءت بفكرة التوحيد، إله واحد، لا يمكن تجسيده ورؤيته، لكنه خلق الإنسان على صورته، وهو جالس على العرش، وهذا تجسيد آخر للخالق لكنه تجسيد خفي.
وجاءت الديانة اليهودية بتشريعات قاسية وهي ديانة متشددة مقارنة بالمسيحية ثم جاء الإسلام بتشريعات أكثر تسامحا منهما وأقل تشددا لأن الوعي ازداد أكثر والإنسان يتصرف بأخلاق أفضل من زمن أنبياء إسرائيل، وإن كان الإسلام ضحية للفكر الوهابي والسلفي المتشدد الذي اقتبس الكثير من الأمور المتشددة من اليهودية.
حتى الإسلام ليس تابثا فقد ظهرت الفرق والمذاهب والمدارس الفقهية والعقائدية بعد وفاة النبي محمد، وقد جاء في السنة النبوية: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها”.
وظهرت ديانات جديدة بعد الإسلام ولعل أشهرها البهائية، وحاليا هناك ازدهار لموجة حركة العصر الجديد، وهم مجموعة من المعلمين الذين يحاولون الجمع بين العلم والروحانية لمساعدة الفرد على التناغم مع ذاته والإله خارج إطار الأديان التقليدية.
ومع تزايد الوعي لدى البشر تتزايد الأسئلة التي تضع الفلسفات والديانات القديمة في المأزق، وبالتالي تفرض على المفكرين انتاج شيء جديد والبحث عن إجابات غير تقليدية.
إقرأ أيضا:الدول التي ستشارك في صد هجوم ايران على إسرائيلوكان التحرش الجنسي أمرا مقبولا في الماضي، بل إن من يتعرض له يخفي ذلك ولا يعلنه للعامة، لكن مع تطور الوعي أصبح لدينا إدراك بالتحرش الجنسي وكذلك التحرش بالأطفال وأصبحت البشرية تتجه إلى التضييق أكثر على هذه السلوكيات وهو ما يعني أن هناك تغيرا وتطورا في الأخلاق.
إقرأ أيضا:مقترح دولة واحدة لإسرائيل وفلسطين أو حل الدولة الواحدةكل شيء يتغير في حياتنا، وإذا تتبعت أفكارك ومواقفك ستلاحظ اختلافا مهما، ما كنت تراه بالأمس صحيحا أصبح خطأ بالنسبة لك، وما كان ممنوعا أصبح مباحا ومسموحا به وهكذا هلم جرا.
كما أن العلم يتطور وتعد نظرية التطور أبرز مثال على ذلك، حيث كل مرة يتم التعديل فيها من خلال نظريات جديدة تبحث في أصل الإنسان، وهو حقل علمي غير مستقر، كما هو حال بقية المعارف والعلوم التي تتغير.
إقرأ أيضا:
خرافة الإلحاد من أجل الشهوات التي يرددها رجال الدين
ما لا يخبرونك به في درس الإلحاد بين الوهم والحقيقة
ما الفرق بين العدمية والإلحاد؟
هل الدحيح ينشر الإلحاد أم أن العلم متعارض مع الدين؟
أهم الديانات والفلسفات في الهند أو أرض الروحانيات
قوة الفلسفة الهندية وسر ازدهار الأفكار الهندوسية